إخواني واخواتي الكرام
أبدأ مع حضراتكم الجزء الثاني من السحاب
نعود إلى النصوص المذكورة صدر هذه المقالة، ففي النص القرآني الأول
يوضح المولى جل جلاله
أنه يزجي، أي :'يسوق' قطع السحاب برفق نحو بعضها البعض،
ثم ' يؤلف بينه' أي : يتم التجاذب فيما بينها نظراً لاختلاف شحناتها الكهربائية .
وهكذا فإن الفعل : يؤلف يشير إلى التجاذب الكهربائي بين السحب الركامية.
وأما كيف تتراكم الشحنات المتشابهة مع بعضها البعض في مكان واحد،
فغير معلوم على وجه الدقة حتى الآن، فقد تكون السحابة الركامية
مثلاً موجبة الشحنة عند القمة، ثم سالبة الشحنة في وسطها،
ثم موجبة الشحنة عند قاعدتها،
ثم تولد هذه الشحنة شحنة أخرى سالبة تحتها ...
وبذلك فإن الفعل 'يؤلف' المذكور في الآية يفيد التأليف بين السحاب
ـ ضمن إفاداته الأخرى ـ من حيث الشحنات الكهربائية،
أي : تجميع الشحنات المتشابهة والمختلفة داخل السحابة الركامية الواحدة
والجملة القرآنية ( ثم يجعله ركاماً ) تعني أن الله يهيئ الظروف
لتراكم قطع السحب فوق بعضها البعض فتصبح ' ركاماً ' ويشبه الجبال،
ولذلك جاء في نفس الآية القرآنية قول الله سبحانه:
(وينزل من السماء من جبال فيها من برد )
فالسحب الركامية ضخمة وعالية ومتراكبة،
أي أنها متراكمة في أحجام الجبال، كما عبرت الآيات القرآنية المعجزة .
نصل كلامنا بالفقرات السابقة،
ونواصل تناول تعبيرات وجمل وكلمات الآيات الواردة في النصوص القرآنية
التي صدرنا بها الحلقة المذكورة، لنرى قول الله تعالى: (فترى الودق يخرج من خلاله )
يعني المطر ذي القطرات الكبيرة تهبط من الفتوق التي تحدث بالتراكم من هذه الجبال،
أي : الجبال السحبية. وأما ' البرد ' الذي جاء ذكره في قول الله تعالى:
( وينزل من السماء من جبال فيها من برد )
فقد تكلمنا عن نشأته آنفاً، وعلينا الآن أن نعرف آثاره المدمرة،
إذ يسقط في شكل حبيبات ثلجية كروية، تتكون من طبقات شفافة ومعتمة،
تشبه البصلة، ويصل وزن الواحدة رطلاً وثلث الرطل.
وقد حدث أن سقط البرد في نبراسكا في يوليو 1928م
وسقط في كانساس في سبتمبر 1970م،
وكانت حبات البرد حين تسقط تسبب خسائر اقتصادية خطيرة أحياناً،
فلقد خسرت الولايات المتحدة في إحدى الفترات ما قيمته 300
مليون دولار بسبب سقوط البرد على البلاد.
وهكذا يتبين من هذه الجزئية:
(وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء
وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)
كيف أن القرآن العظيم سبق العلم الحديث بإشارته إلى أن
السحاب الركامي هو النوع الوحيد من السحب الذي ينزل منه (البرد) .
أما الجزئية التي أعقبت تلك الجزئية في نفس النص القرآني:
( فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء )
تفيد بأن الله يصيب بالبرد أناساً، ويقي آخرين منه،
أي أن تأثيره محلياً وليس عالمياً، بل وقد يكون في البلد الواحد
حقل يسقط عليه البرد وحقل آخر لا يسقط عليه.
ومن نافلة القول إن التنبؤ بموعد سقوط البرد أمر غير متاح بدقة حتى الآن ...!!
وأما الجزئية الأخيرة في هذا النص الكريم، فتتحدث عن ' البرق '
وهو حدث فيزيائي ينشأ كشرارة في الجو نتيجة شحنتين مختلفتين،
فإذا تم هذا التفريغ بين سحابة وبين جسم موجود على سطح الأرض (كجبل أو شجرة مثلا)
سمى الناتج عن هذا التماس [صاعقة] ..
وعند حدوث
التفريغ الكهربائي يرتفع فوق الجهد لدرجة تجعل الهواء موصلاً للكهرباء
لأن ذراته قد تأينت فتمر الشرارة ويحدث البرق في زمن قليل قد لا يتعدى جزء من الثانية ...
والرعد يصاحب ' البرق ' وذلك لأن درجة حرارة شرارة البرق تصل إلى أكثر من 1000
درجة مئوية، فيسخن الهواء ويتمدد وتحدث الفرقعة المدوية.
وإذا نظر الإنسان في وجه البرق الشديد الضياء فإنه لا بد وأن يصاب بالعمى المؤقت،
لذلك قال الله في نفس الآية القرآنية:
(يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)،
ويشير النص القرآنية: (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)،
ويشير النص القرآني الذي أثبتناه في الفقرة السابقة [الآية 48 من سورة الروم]
إلى تكوين السحب البساطية، وكيف أنها تكون (كسفا)
أي : طبقة رقيقة فوق طبقة رقيقة، أي كتلة أفقية تنمو دائماً أفقياً وليست رأسياً
(كما هو الحال في السحب الركامية) .
وأما النص الثالث[ الآيات 68ـ 70من سورة الواقعة ]،
فيشير إلى السحب الممطرة باللفظ 'المزن '،
وكيف أن الله أنزل الماء الصالح للشرب للمخلوقات الحية من هذه السحب الممطرة،
وأنه قادر على جعله ملحاً أجاجاً بدل أن يجعله عذاباً فراتاً .
ونصل سريعاً إلى النص القرآني الأخير [ الآية 164من سورة البقرة]،
وهي نص جامع شامل للعديد من الأمور الكونية والأحداث الطبيعية،
ثم يختم المولى جل جلاله هذا النص بإظهار الحكمة من إيراده،
وهي أن الله خلق وصنع وقدر وأحكم كل الظواهر والأشياء
لكي يتفكر الإنسان فيها ويتدبر عظمة الخالق جل جلاله ..
ونمر سريعاً مع هذا النص الكريم لنفهم بعضاً مما ورد فيه:
[1] (إن في خلق السماوات والأرض]،
أي في إبداعها وإبداع الدقة والإحكام فيهما،
والسموات والأرض هما الكون كله ـ عموماً ـ بما فيه من أجرام فلكية،
وليس المدلول اللفظي للكلمات فقط، وذكر هما يدل أيضاً على ما بينهما من مخلوقات.
[2] (واختلاف الليل والنهار)
أي : حدوثهما وتعاقبهما وعدم تساوي مدتيهما يومياً .
ويدل هذا ضمناً على دوران الأرض حول محورها أمام الشمس .
ولا شك أن طول كل منهما يختلف في المكان الواحد من فصل إلى آخر،
كما يختلف طول كل منهما في الفصل الواحد حسب خط عرض المكان.
[3] (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس).
وفي هذا إنعام من الله على الإنسان، أن خلق لخدمته ظاهرة الطفو على سطح الماء،
ليركب الإنسان السفن، ويتنقل هنا وهناك ويدير حركة التجارة البحرية
وغير ذلك من شئون الحياة.
[4] (وما أنزل الله من السماء من ماء)،
هو المطر، والمطر هو المصدر الأساسي لماء الأرض،
وهو ـ في الأحوال الطبيعية العادية ـ عذب فرات صالح للشرب.
إذاً (فأحيا به الأرض بعد موتها ) وإحياء التربة هو إنباتها للنبات،
فيظهر لها رونق وجمال ونضرة، وتدب الحياة فيها وعليها.
[6] (وبث فيها من كل دابة)،
لفظة ' بث ' تعني فرق ونشر ووزع،
والدابة هي كل ما يدب على الأرض
وأغلب استعمالها في اللغة لحيوانات الركوب والأحمال
[7] (تصريف الرياح)
يعني توجيهها وتيسيرها وتوزيعها بقدرة الله، وقد شرحنا هذا في حلقة سابقة.
[8] (والسحاب المسخر بين السماء والأرض)
أي: السحب التي تسير وفق إرادة الله فهي مسخرة في نشأتها وفي حركتها وفي وجهتها، تبعاً لإرادة الله،
إذ لو بقي السحاب معلقاُ في الهواء لكثر وتعاظم وزادت أحجامه واتسعت مساحاته
وحجب ضوء الشمس عن المخلوقات، وفي هذا ضرر شديد،
وإذا تكاثر السحاب ودام لاستمر هطول الأمطار وغرقت الأرض، وفي هذا أيضاً ضرر شديد .
لكن الله يسوق الرياح فتحرك السحاب وتقوده إلى حيث يشاء الله،
وينزل منه المطر في الوقت والمكان اللذين تحددهما المشيئة الإلهية،
التي شاءت أيضاً أن ينزل هذا القرآن هداية للناس ومنهاجاً لصلاح دنياهم وآخرتهم
وفي الختام أرجو من الله أن يكون الموضوع بجزئيه قد نال إعجابكم
وتقبلوا تحياتي