كثيرة هي الأطباق التي تشتهر بها المطابخ المتنوعة، شرقية أو غربية، وعديدة هي الوصفات التي تتميز بها الأطباق التي تختلف
بدورها مع اختلاف البلدان والمناطق.
وينفرد كل بلد بطبق خاص يميز مطبخه عن غيره من المطابخ، وربما العجة الإسبانية (Tortilla Espavola) أو عجة البطاطا (Tortilla de Patatas)، جوهرة المطبخ الإسباني، هي أكثر ما يميز هذا المطبخ؛ للذتها وسهولة تحضيرها واستخدامها لمواد لا يخلو منها أي منزل، حتى قيل إن الشعب الإسباني يتماسك عبر العجة الإسبانية أكثر منه عبر الكثير من مواد الدستور.
ويقال إن أصلها من البيرو، نقلها الإسبان في أواخر القرن الثامن عشر في أثناء رحلاتهم المتكررة بين القارتين، ولكن يؤكد البعض أن تاريخها يعود إلى أواخر القرن نفسه، إبان الحروب القومية التي عصفت بالقارة الأوروبية، اخترعت في أثناء البحث عن غذاء سريع وزهيد الثمن لتأمين الطعام لآلاف الجنود الجائعين.
ويؤكد الخبراء أن سر عجة البطاطا الإسبانية، كغيرها من الأطباق، يكمن في اختيار المواد الأولية، بطاطا جديدة صفراء القشرة عاجية اللب، بصل جديد غير حاد، بيض بلدي طازج، وزيت زيتون بكر ممتاز، أي عصير ثمرة الزيتون، غير مكرر وغير ممزوج بأي زيت آخر.
يلزم لتحضير عجة البطاطا لستة أشخاص: كيلوغرام واحد من البطاطا الطازجة، تسع بيضات بلدية طازجة، بصلة واحدة متوسطة الحجم، زيت زيتون بكر ممتاز، وقليل من الملح.
توضع المقلاة فوق نار خفيفة وفيها الكثير من الزيت، وعندما يسخن الزيت تضاف البطاطا بعد تقشيرها وتقطيعها شرائح صغيرة، ثم يضاف الملح وتغطى المقلاة وتترك لعدة دقائق قبل إضافة البصل المقطع «جانح عصفور»، وتترك فوق النار كي تكتسب البطاطا والبصل لونا ذهبيا فاتحا، وقبل أن تقلى تماما.
نرفع الآن المقلاة عن النار ونفصل الزيت عن البطاطا والبصل، يخفق البيض يدويا بواسطة شوكة في وعاء كبير (امتنع عن استخدام خفاقة كهربائية) وتضاف إليه البطاطا والبصل ويمزج الخليط جيدا ويضاف القليل من الملح إذا لزم الأمر.
نضع الآن في المقلاة ملعقتين أو ثلاثا من نفس الزيت الذي استخدمناه سابقا، ونضعها فوق نار خفيفة، عندما يسخن الزيت نضيف الخليط ونوزعه بالتساوي في المقلاة، ونقوم بتخفيف النار قليلا مع تحريك الخليط بحركات دائرية كي لا يلتصق في قعر المقلاة، ثم نقوم الآن بقلب الخليط بكل حذر باستخدام صحن دائرته أكبر من دائرة المقلاة، كي يتسنى لنا طهيه من الجهة العليا.
قبل إضافة الخليط من جديد إلى المقلاة تأكد من وجود القليل من الزيت وإلا فمن الضروري إضافة ملعقة أو ملعقتين قبل طهي الجهة العليا.
يترك الخليط الذي أضيف مجددا إلى المقلاة لمدة دقيقة أو دقيقتين مع تحريك المقلاة بواسطة مساكتها بحركات دائرية كي لا تلتصق العجة في قعر المقلاة. تقدم ساخنة أو باردة، يفضلها البعض مع القليل من المايونيز.
هذه هي الوصفة التقليدية لعجة البطاطا الإسبانية التي تختلف مع اختلاف المناطق والأذواق والمواد المتوفرة في المنزل، فهناك من يفضلها دون البصل ومع ورق البصل الأخضر، وهناك من يضيف إليها البازلاء أو الفليفلة الخضراء أو الحمراء، والذين يضيفون إليها القليل من اللحم المفروم أو الجمبري.
وفي إسبانيا شركات كثيرة اختصت في طهي عجة البطاطا الإسبانية في أثناء الأعياد والمهرجانات المحلية، تتعاقد معها البلديات وتتسابق في طهي ألذ وأكبر عجة.
فمنذ عدة سنوات قامت إحدى هذه الشركات، في محلة ثييمبوثويلوس القريبة من العاصمة مدريد، بطهي عجة إسبانية عملاقة كافية لسد جوع 10 آلاف شخص، شارك فيها عشرات الطباخين، استخدموا 1500 كيلوغرام من البطاطا و200 لتر من الزيت و10 آلاف بيضة.
ويعتبر الإسبان عجة البطاطا جزءا من تقاليدهم وعاداتهم اليومية، فهي للإسبان كاللبنة للبنانيين، لا يخلوا منها أي منزل في أي وقت كان. إلى الحد الذي بدأت فيه بعض محلات البوظة في السنوات الأخيرة بتقديم بوظة بنكهة عجة البطاطا الإسبانية.
وتشبه عجة البطاطا الإسبانية، إلى حد، عجة الشمر (أو الشومر بالعامية) اللبنانية، التي أتقنتها الوالدة «أمّ شوقي»، وهي عبارة عن خفق البيض البلدي الأحمر اللون، خرج لتوه من «قن دجاجات أم إلياس»، مع ورق الشمر الأخضر الطري اللذيذ الذي قطف لتوه من «شومرة القلعة»، وقلي بزيت «زيتون الشحار» التي اختارت ثمراته يدويا «عمتي مريم»، رحمها الله، ألتهمها وإخوتي وأخواتي في أمسيات الصيف الدافئة، ملفوفة في خبز الصاج الذهبي اللون، تحت عريشة الدار العينونية، وأمامي «على مد عينك والنظر» تلة «المحفرة»، ومن بعيد «دير قطين»، ومن أبعد جبال نيحا (رزق الله على هديك الأيام).