المجرم شارون
ولادته ولد آرييل شارون عام 1928 في فلسطين عندما كانت لا تزال تحت حكم الانتداب البريطاني لوالدين مهاجرين من روسيا.
وفي سن الرابعة عشرة انضم شارون لمنظمة "الهاجانا" اليهودية المحظورة التي سبقت تأسيس الجيش الإسرائيلي.
قاد وحدة من المشاة في حرب 1948 وقام خلال الخمسينيات بقيادة عدة عمليات عسكرية إسرائيلية ضد وحدات عسكرية مصرية وأردنية كما شارك على رأس لواء للمظليين في حرب عام 1956 التي قادتها بريطانيا وفرنسا ضد مصر.
درس شارون النظريات العسكرية في كلية "كمبرلي" العسكرية البريطانية، وعاد مرة أخرى إلى ميدان القتال على رأس كتيبة مدرعة في حرب الأيام الستة عام 1967 التي احتلت إسرائيل خلالها القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء هضبة الجولان.
التحاقه بالسياسة استقال من الجيش في يونيو/ حزيران عام 1972 وانخرط في معترك الحياة العامة حيث أسس حزب الليكود.
جمد نشاطاته السياسية وانضم للخدمة العسكرية إثر اندلاع حرب أكتوبر/ تشرين أول عام 1973 حيث قاد فرقة للمدرعات داخل الأراضي المصرية فيما يعرف في تاريخ المواجهات العسكرية المصرية الإسرائيلية "بثغرة الدفرسوار".
بدأ شارون، مع انتهاء نشاطه العسكري، بتكريس حياته للسياسة. وانتخب في عام 1973 عضوا في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) عن حزب الليكود.
عمل خلال السبعينيات مستشارا عسكريا لرئيس الوزراء أسحق رابين قبل أن يعينه مناحيم بيجن وزيرا للزراعة في عام 1977 ووسع من صلاحيات الوزارة لتشمل الى جانب القضايا الزراعية خطط توسيع المستوطنات اليهودية بشكل دائم في المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
صبرا وشاتيلا في يونيو/ حزيران عام 1982 أصدر شارون، الذي كان في ذلك الوقت وزيرا للدفاع، أمرا بغزو لبنان. وقال إن السبب الداعي إلى الغزو هو "حماية البلاد من هجمات منظمة التحرير الفلسطينية". وبعد أيام قلائل حاصرت المدرعات والمدفعية الإسرائيلية العاصمة اللبنانية بيروت.
وكانت أبرز الأحداث التي شهدتها حرب لبنان وحمل شارون مسؤوليتها مذبحة صبرا وشاتيلا التي قتل فيها أكثر من 2000 معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين.
وتلا ذلك شجب عالمي ومظاهرات جماهيرية حاشدة تندد بإسرائيل مما دعا رئيس الوزراء بيجين الى تخفيض رتبته الى مرتبة وزير بلا حقيبة.
تسلم وزارة الإسكان خلال التسعينيات حيث أشرف على أكبر عملية توسيع للمستوطنات شهدتها إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ حرب الأيام الستة.
عين وزيرا للخارجية في حكومة بنيامين نتنياهو عام 1996.
انتخب زعيما لحزب الليكود بعد فشل الحزب في انتخابات عام 1999 ونجح في الوصول للحكم على رأس حكومة ائتلافية عام 2001.
وقبيل تسلم الليكود السلطة عام 2001 أثار شارون انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر/ أيلول عندما زار باحة المسجد الأقصى في القدس الشرقية.
وكان من أبرز الاحداث التي ميزت فترة حكم شارون عملية "الدرع الواقي"، التي تعتبر أكبر عملية عسكرية لإسرائيل منذ عام 1967 حيث اجتاحت القوات الإسرائيلية مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وحاصرت مقر رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات مرتين وكذلك اتخاذه قرار الانسحاب من قطاع غزة بشكل إحادي وهو ما تم في اغسطس/ آب من العام الماضي.
وانسحب شارون مؤخرا من حزب الليكود في اعقاب الاعتراضات التي قوبل بها قرار الانسحاب من غزة وأعلن قيام حزب "كاديما" بمشاركة عدد من السياسيين الإسرائيليين الذين استقالوا من حزبي الليكود والعمل وقال إنه سيخوض به الانتخابات العامة المبكرة التي من المقرر اجراؤها في شهر مارس/ آذار المقبل
شارون رئيس وزراء فاشل ولم يوفي بوعده بتحقيق الامن
وباعتباره جنرالاً تكتيكياً أصبح سياسياً تكتيكياً، فشارون يتمتع بموهبة التركيز على الهدف التالي والعمل على إحرازه، حتى لو اضطره الأمر إلى بذل عكس ما قال وفعل في المرحلة السابقة، لكنه بعيداً عن كل الاعتبارات التكتيكية، يبقى لديه الهدف الأعلى، الذي لا يوجد أدنى شك تجاهه، وهو هدف التوصل إلى كرسي الحكم في الدولة.
وعندما أنهى خدمته العسكرية، ساعدهم في إقامة حزب "الليكود"، وكانت تلك حيلة مراوغة، فالحزبان اليمينيان الكبيران "حيروت" والليبراليين، كانا موحدين منذ حين في كتلة واحدة أطلق عليها الاسم "غاحل"، فأضاف شارون إليها كتلتين هامشيتين، لكن صورة اليمين الموحد كانت ذات تأثير نفسي كبير، وكانت من بين العوامل التي مكنت الليكود من الوصول إلى السلطة بعد أربع سنوات على ذلك التاريخ، في الانقلاب الانتخابي سنة 1977.
لم يكن شارون شخصياً شريكاً في ذلك، ففي البداية انضم إلى الحزب الليبرالي، ولأن هذا الحزب افتقد إلى زعيم كبير فكر بالسيطرة عليه بسهولة، لكن أعضاء الحزب المحنكين أمثال "سمحا أرليخ" سدوا الطريق أمامه، فانشق عن الحزب وعن الليكود وأصبح لفترة معينة عام 1975 مستشاراً لشؤون الأمن لدى رئيس الحكومة الجديد إسحق رابين، وكان يحدوه الأمل بأن يمكنه هذا المنصب من فرض هيبته وتصوراته على الجيش، لكنه فشل في ذلك أيضاً، فقد قطع عليه الطريق خصمه اللدود "موطي غور"، قائد الأركان العسكرية العامة.
في تلك الأيام ولدت برأسه فكرة إقامة حزب جديد باسمه يكون قادراً على توحيد الأشخاص المميزين من اليسار واليمين سوية مع أساتذة جامعات وجنرالات، لفرض نظام الفئات العليا الممتازة في الدولة، وتوجه إلى أشخاص كثيرين في اليمين واليسار الصهيوني لكنه جوبه بالرفض، وعندما أقام حزبه لم تلتحق به أية شخصية بارزة، كان من شأن هذا الحزب أن ينافس الليكود، لكن شارون لقي فشلاً مشيناً، فلم يحصل هذا الحزب سوى على مقعدين في البرلمان.
وفي لحظة ظهور النتائج، نفذ شارون إجراء تكتيكياً جريئاً، فبسرعة انضم إلى الليكود المنتصر، الذي كان يشهر به يوماً واحداً فقط قبل ذلك، لكن عيزرا وايزمان، الذي سجل النصر على اسمه، كان من فاز بمنصب وزير الدفاع، واضطر شارون للاكتفاء بحقيبة الزراعة، وضمن منصبه هذا أخذ شارون يغير وجه الخارطة، وأصبحت خريطة الاستيطان مشروعه الأكبر، وفي جميع الأدوار التي أداها في الحكومات المختلفة، أصبح شغله الشاغل والأساسي وأحياناً الوحيد هو تطوير المشروع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967 في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية.
البرامج الاستيطانية لشارون
منذ تلك الأيام التصقت بشارون صفة "البلدوزر"، ولم يكن ذلك فقط بسبب لجوئه إلى تحريك البلدوزرات بالطريقة التي حرك فيها الدبابات سابقاً، بل لأنه شخصياً تحول إلى بلدوزر متحرك حي، فلم يسلّم بأية عراقيل، ولم ينجح أي شيء في حرفه عن طريقه، وعندما كانت الحكومة ترفض تصديق برامجه الاستيطانية لأسبابها الخاصة، كان يعود إلى عرضها مجدداً في الجلسة التالية وتلك التي تليها، إلى أن يتوصل إلى الجلسة التي تكون تركيبة الحضور فيها مريحة له، وإلى أن يتم قبول مقترحاته.
وهكذا فعل عندما كان وزيراً للزراعة ووزيراً للدفاع ووزيراً بلا وزارة ووزيراً للتجارة والصناعة ووزيراً للبناء والاسكان ووزيراً للخارجية ووزيراً للبنى التحتية وفي كل منصب تمكن من وضع يده عليه، دائماً انشغل بتسليم الأرض للمستوطنين ومصادرتها لأجلهم، بموجب تلك الخريطة الاستيطانية: سلسلة عمودية من المستوطنات على امتداد الخط الأخضر، وسلسلة ثانية في "ظهر الجبل" على طول السفوح الشرقية لجبال الضفة الغربية وعلى طول غور الأردن، وسلاسل أفقية من الخط الأخضر حتى الأردن، مروراً بأرئيل ومستوطنات "الخان الأحمر" (معاليه أدوميم) إلى الشرق من مدينة القدس.
ولم يكن ذلك بالمصادفة أبداً أن تكون كتل الاستيطان هذه التي أراد ايهود باراك ضمها إلى إسرائيل في محادثاته مع الفلسطينيين، فقد خلق شارون واقعاً جعل حزب العمل يعمل بموجبه، في مفاوضاته مع الفلسطينيين.
وكانت خريطة الاستيطان، التي استهدفت احباط أية إمكانية لاعادة الضفة الغربية، إحدى الخطط التي وضعها شارون في تلك السنوات.
ومنذ أيام حزبه الخاص وضع شارون خطة ذات أبعاد اقليمية: اعلان الأردن دولة فلسطينية، فقد أعلن مراراً أنه إذا قامت دولة فلسطينية في الأردن، سيتغير طابع النزاع، عندها ستتحول الضفة الغربية إلى موضوع مفاوضات بين دولتين، إسرائيل وفلسطين، تتوصلان بينهما إلى حل وسط على شكل تقسيم الصلاحيات أو الحكم المشترك.
مشروع شارون الاستيطاني
ترتبط العديد من المشاريع الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية باسم شارون، فمنذ سقوط الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وشارون يضع الخطط لخلق واقع يهودي على الأرض، يحول دون التفاوض على هذه المناطق وارجاعها بموجب الشرعية الدولية، ويشهد شارون على نفسه في مذكراته حين قال "إنني أفكر في هذا الموضوع منذ حرب الأيام الستة، وعندما كنت مستشار رابين، غالباً ما كنت أجوب هذه المناطق على امتدادها واضعاً الخطوط العريضة لمشروع يهدف إلى استثمار هذه الأراضي".
وبعد صعود الليكود إلى الحكم في عام 1977، استغل شارون الفرصة، بحكم وظيفته وزيراً للزراعة، لدفع مخططاته الاستيطانية إلى الأمام، وقد قامت هذه المخططات على تصور واحد ووحيد، وهو عدم التنازل عن الأرض، وبعد أربعة أشهر على تشكيل بيغن لحكومته الأولى، وتعيين شارون وزيراً للزراعة فيها، عرض شارون المخططات على الحكومة في 29 سبتمبر من العام نفسه، خلال اجتماع اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان.
وكان شارون يقول "بعد بسط خريطة كبيرة لأراضي يهودا والسامرة، رحت أشرح أنه مهما يكن الحل السياسي الذي سينتهي بنا الأمر إلى الموافقة عليه، فنحن مدعوون إلى مواجهة ثلاث مشاكل رئيسية، تتمثل أولها بأمن السهل الساحلي الإسرائيلي الذي يشهد كثافة سكانية مرتفعة ويملك بنى صناعية ومحطات توليد للطاقة ومطاراً دولياً، فالسهل الساحلي وفقاً لحدود ما قبل 1967 ضيق حتى إنه بات من الصعب الدفاع عنه، ففي بداية حرب الأيام الستة، انتهكت سلامة أراضيه الجغرافية السياسية، فالأراضي الإسرائيلية متاخمة لأراضي الضفة الغربية، وهي مفتوحة عليها بلا أي حدود مغلقة أو خطوط تماس أو أسلاك شائكة أو غيرها من العقبات، ومن جهة الحدود الإسرائيلية يطالعنا تجمع كثيف لقرى ومدن عربية مزدهرة نذكر منها: أم الفحم، عرعرة، كفر برة، باقة الغربية، قلنسوة، الطيبة، الطيرة، جلجولية وغيرها، وفي السامرة نجتاز خلف ما كان يعرف بالخط الأخضر مراكز عربية أخرى تمتاز بطابع مدني وقروي، مثل: يعبد وشويكة وطولكرم وقلقيلية، وليس في سكان هذه المناطق ما يميزهم عن العرب الإسرائيليين على الصعيد الثقافي واللغوي والاجتماعي".
ويمضي شارون في مذكراته في شرح مخاطر نشوء تجمعات سكانية عربية متاخمة للخط الأخضر يقطنها مئات آلاف الفلسطينيين إلى جانب أقلية إسرائيلية، مجملاً رؤيته الاستيطانية بالحديث عن عمق استراتيجي يضمن حاضراً ومستقبلاً، مراقبة جبال الضفة الغربية حتى لا يستفيد منها من يصفهم بأعداء إسرائيل في حال وقوع صدام مسلح، وينتقل إلى طرح حلوله للحيلولة دون هذا الخطر بواسطة تشييد وحدات سكنية ومجموعات صناعية على المرتفعات المشرفة على السهل الساحلي.
ولتبرير إصراره على الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية يصر شارون على مشاكل الدفاع شرقاً، ففي الجنوب تشكل شبه جزيرة سيناء منطقة عازلة، وفي الشمال تسيطر إسرائيل على هضبة الجولان، ولكن في الشرق لا يحمي السهل الساحلي سوى جبال الضفة الغربية.
كان شارون بمخططاته الاستيطانية هذه يطبق خطة عرضها "ايغال ألون" لأول مرة في العام 1967 لبناء خط مستعمرات على طول نهر الأردن وسهل بيسان على البحر الميت، وسبق لحكومة العمل أن بنت، وفقاً لخطة ألون عشرين مستوطنة في غور الأردن (بلغ عدد المستوطنات التي بنتها حكومة حزب العمل خمساً وعشرين مستوطنة، إضافة إلى اثنتين كانتا لا تزالان في طور الانشاء، قبل أن يتولى الليكود زمام السلطة عام 1977)، لكن الحقيقة أن شارون لم يكن قانعاً تماماً بخطط ألون الاستيطانية، وتطرق شارون في مذكراته إلى أن مستوطنات غور الأردن، لن تكون قادرة على تأمين حماية كافية من دون مؤازرة من الخلف، لهذا اقترح سد الثغرات الممتدة على طول نهر الأردن، وتشييد مستوطنات أخرى على الروابي من شأنها مساندة هذا الخط الأمامي، وعرض أيضاً فكرة شق كثير من الطرقات الشرقية الغربية، على طول المحاور الاستراتيجية، وبناء قرى تأخذ على عاتقها مهمة مراقبة هذه الطرق.
وعندما نتابع اليوم مجريات المشروع الاستيطاني الذي تحدث عنه شارون، نجد أنه فاق بما لا يقاس ما حلم به وخطط له، وفي ذلك لعب أدواراً رئيسية على مدار العقود الثلاثة التي أعقبت ذلك الانقلاب من العام 1977.
أما المشكلة الأخرى التي تحكم مشروع شارون الاستيطاني فهي القدس، وكيفية الحفاظ على وضعها "كعاصمة الشعب اليهودي الأبدية" .
نجحت المخططات الاستيطانية في القدس بإضافة أكثر من مائة ألف مستوطن، يطوقونها من كل الجهات، في نطاق مشروع "القدس الكبرى"، الذي يقضي ببناء سلسلة من المستوطنات تحيط بالضواحي والأحياء العربية لمدينة القدس، تتخذ شكل حدوة حصان وتمتد على طول عشرة كيلومترات أو خمسة عشر كيلومتراً من الوسط، ابتداء من غوش عتصيون وافرات في الجنوب، حتى معاليه أدوميم في الشرق، وجفعات زئيف وبيت ايل في الشمال.
ومضى شارون في مشروعه الاستيطاني ودائماً ما وجدت فيه حركة "غوش إيمونيم" الاستيطانية نصيراً متحمساً لمخططاتها التي لم تعرف الحدود منذ البداية، وقد قال شارون متفاخراً بدوره هذا أنه تمكن بين السنوات 1978 و1981 من إقامة 240 مستوطنة في مناطق الجليل والضفة الغربية والقطاع، زاعماً أنه لا يعتقد بأنه ارتكب أخطاء في إقامة المستوطنات، وفي تقديره لا توجد مستوطنة واحدة لم يكن هناك سبب لإقامتها، وعلى رغم التطورات السياسية، والواقع الجديد الذي نشأ بعد اتفاقية أوسلو 93 وما تلاها، فإنه متمسك للآن بالاعتقاد بعدم إخلاء أية مستوطنة.
ولا يقتصر مشروع شارون الاستيطاني على الأراضي الفلسطينية فحسب، بل يشمل هضبة الجولان أيضاً، ففي مقابلة معه يعود شارون إلى تأكيداته على أنه لا يمكن الخروج من هضبة الجولان، لأن ما يحفظ الهدوء من جهة الجولان هو القرب من دمشق حسب تعبيره، بل يستمر في القول "إذا أجريت الاتصالات مع سورية فسأطالب بهضبة الجولان، وبتقليص الجيش السوري وبخاصة في مجال السلاح الكيماوي والبيولوجي".