العاقلة والمجنون

شيء ما في عينيه جعلها تفقد السيطرة على ذاتها وتسلمه نفسها

: تبا لعينيه.. (قالتها بعنف ضاربة يدها بقوة على سطح مكتبها، الطبيبة النفسية بمستشفى الأمراض العقلية)

: ماذا حدث سيدتي ؟؟ (الممرضة فزعة)

: لاشيء لاتهتمي وعودي الى عملك

: ولكن سيدتي يدك تنزف دعيني أطهر لك جرحها

نظرت الطبيبة الى يدها مذهولة فلم تشعر بشيء حين كسرت الحقنة بقبضة يدها

تهاوت على الكرسي وتركت يدها في عهدة الممرضة التي باشرت بتطهير الجرح واستسلمت لذكرياتها الأليمة



....كان يوما ماطرا حين سمعت طرقا خفيفا على الباب لتدخل بعد ذلك ممرضتها تمسك بيدها شابا سبحان من صوره فأبدع

وراءه
دخلت سيدة عجوز منتكسة الرأس دامعة العينين مكسورة الخاطر يتفتت كبدها
لرؤية ابنها الأصغر والأطيب من بين أولادها في حالة من الشروذ والهذيان

ارتمت على يدها تقبلها : انقذي ابني من الضياع اتوسل اليك

: تماسكي سيدتي فابنك سيكون بخير فاطمئني

في قاعة الفحص ، وحيث دار بين الطبيبة والمريض حوار طويل...

ظلت عيناه مستقرتان في عينيها ، شيء ما في عينيه جعلها تترنح كالسكرى

حاولت مرارا تجنب نظراته العميقة التائهة دون جدوى شيء غريب فيهما كان يجذبها بقوة



تكرر الموقف في كل زيارة واستجاب المريض للعلاج بسرعة ، كيف لا وطبيبته ذات جمال يأسر الألباب

ذكرته بحبيبته التي هجرته ... لم يتحمل صدمة الهجران ظل يبحث عنها كالمجنون ليفاجأ بزواجها صرخ بقوة ..بكى.. حاول الانتحار

الصدمة كانت أكبر من أن يتحملها فدخل في حالة من الذهول وفقدان للذاكرة..

الشبه بين الطبيبة والحبيبة جعله يتودد اليها ويمطرها بعبارات حبه المجنون



لم تستطع الطبيبة مقاومة نظراته ولا عباراته الرقيقة وهمساته ..

وشهدت قاعة الفحص استسلام العقل لجنون الحب........

شفي المريض واستعاد ذاكرته المفقودة ونسي ماكان من أمر علاقته بطبيبته الحسناء

غادر المستشفى اليوم وهو يتمتم بعبارات شكر ونظرات جادة جمدت الدم في عروقها

.... : اه يا الهي ما أغباني انتهى أمري كيف أتخلص من هذه الآلام ؟؟



: سيدتي لقد ضمدت جرحك اذهبي وارتاحي في غرفتك قليلا

: سيدتي !!

: سيدتي ..هل أنت بخير ؟؟

...استفاقت من ذهولها على صوت الممرضة

: أنا بخير شكرا لك

اتجهت الممرضة نحو الباب مغادرة لتبادرها الطبيبة قائلة

: سلمى سأشتاق اليك ..يؤسفني أن أخبرك أن الليلة هي آخر ليلة لي في هذا المستشفى..

صورة لا تفارق مخيلته ، عيون تائهة ، شفتان مرتعشتان

همس يشوبه خوف عميق من التجربة ، شعر ناعم تتخلله أصابعه بحب

يحاول جاهدا نفض هذه الصورة من مخيلته لكن دون جدوى

فلا تلبث أن تعود الصورة مرة أخرى وكل مرة تتضح أكثر فأكثر

فالكلمات بدأت رموزها تفك شيئا فشيئا صوت يقول :

توقف أرجوك لا تفعل بي ذلك

ترتفع أصابعه نحو شفتيها لتجبرها على الصمت والرضوخ والاستسلام




مرة أخرى يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويقرر تحرير نفسه من عزلته

وسط قهقهات أصدقائه ومرحهم يجد نفسه قد غرق في عالمه مرة أخرى متناسيا من حوله

يقترب صديقه منه : مابك ياسامي ؟ أحوالك لا تعجبني !!

: سأصدقك القول ياخالد منذ فترة وأنا أعاني من أحلام يقظة لمشاهد تتكرر أمامي والبطلة واحدة

: أتدري ما مشكلتك يا سامي !! أنت تعاني من فراغ عاطفي هيا صديقي حرر نفسك

وعش حياتك فستجد مبتغاك وتنسى خيالاتك في حضن أول فتاة تقابلها

عمل بالنصيحة ورافق احدى بائعات الهوى لبيته وفي غرفته أخدت تهمس له والرغبة تأكلها :

كم أنت وسيم أيها الشاب

صوتها الأجش من تأثير الخمر أيقظه فنفر منها واستسلم لحلمه من جديد




ضحكة ساحرة وهمسات رقيقة تقول :

آه لو تدري كم أحببتك..

وآه لو تدري مدى خوفي من فقدانك

كان صوته يرد بحنان : لن أفارقك ما حييت

قالت : أخشى أن تجرحني يوما وقلبي مرهف الاحساس

رد : أخلاقي أسمى من أن تجرح قلب أنثى ضعيفة

طوقته ذراعاها بحنان وغمرته قبلات مثخنة بالشوق والامتنان

: ياهذا مابك تتركني وتقبل الهواء؟؟ يبدوا أنك مجنون

: مجنون، مجنون، (كلمة مجنون التي لفضتها رفيقة سهرته جعلته يردد الكلمة ويضغط على فكيه بينما اشتدت قبضة يده)



شعرت الفتاة بالخوف فخرجت من الغرفة هاربة وهي كاسية عارية

بينما تهاوى على سريره واستسلم من جديد لأفكاره

: أنت لست مجنونا ، أنت ترفض تذكر واقع آلمك وبشدة (كان الصوت حنونا)

يدها كانت تعبث بشعره كطفل صغير وتقول : ستكون بخيرحبيبي

انتفض بقوة حين اكتملت الصورة أمامه فصرخ : لم يكن حلما ولا هذيانا انها هي الدكتورة أحلام

أذكر تفاصيل جسدها ، بريق عينيها ، طعم شفتيها، ....

أذكر همساتها ، رعشة أطرافها ، خوفها الدائم أن أشفى وأهجرها

آه يا حبيبتي ، سامحيني خذلتك ، ماكان عليك أن تعشقي مجنونا مثلي

أي عذاب سببته لك غاليتي



في زاوية أخرى كانت أحلام تعد ثواني ليلها الطويل

: ترى يا حبيبي ماذا تفعل الان؟

أتخيلك بين أحضان أخرى تغازلها ،تقبلها ...و... آآآآآه كفاك تعذيبا لنفسك

تعض بقوة مخدتها كاتمة صرخات ألمها

اما آن لهذا الكابوس أن ينتهي.............